هارون هاشم رشيد

شاعر القرار] (1927 / غزة

قصة -

ذَاتَ يَوْمٍ.. وَالرَّبِيعُ فَوَّاحُ الْأرِيجْ
ضَاحِكاً.. في قَرْيَةِ الْأَحْرَارِ.. لِلْحُسْنِ الْبَهِيجْ
قِيلَ.. فِيمَا قِيلَ: إنَّ الْخَيْلَ ضَلَّتْ في الْمُرُوجْ
وَهَوَى مِنْ فَوْقِهَا لِلْمَوْتِ «جَاوِيشُ» الْعُلُوجْ
وَمَعَ الْفَجْرِ أَفَقْنَا، وَعَلَى صَوْتِ الْجِيَادْ
وَثَبَتْ أُمِّي إِلَى الْبَابِ بِخَوْفٍ وَارْتِعَادْ
وَإِذَا الْعُمْدَةُ.. وَالأَجْنَادُ، في شِبْهِ اِحْتِشَادْ
وَعُيُونُ الْجُنْدِ تَرْمِينَا يِحِقْدٍ وَاتِّقَادْ
أَيْنَ يَا أُمُّ تُرَى زَوْجُكِ أَمْسَى.. أَيْن سَارَا؟
أَتُرَى تَدْرِينَ، في أَيِّ مَكَانٍ قَدْ تَوَارَى؟
إِنَّنَا نَبْحَثُ عَنْهُ.. دَائِماً لَيْلاً، نَهَارَا
إِنَّهَا الدَّوْلَةُ تَبْغِي، مِنْهُ أَحْقَاداً وَثَارَا
بَسَمَتْ أُمِّي وَمَا كُنْتُ أَرَاهَا تَبْسِمُ
وَأَنَا أَرْقُبُ ما يَجْرِي، وَقَلْبِي يَضْرِمُ
ثُمَّ قَالَتْ في ذُهُولٍ: إِنَّنِي لا أَعْلَمُ
لَسْتُ أَدْرِي: أَيْنَ قَدْ سَارَ؟ وَلَا ما يَجْزِمُ
وَإِذَا بِالضَّابِطِ الْجَلَّادِ قَدْ أَعْطَى إِشَارَهْ
وإِذَا حَارِسُهُ الْمَلْعُونُ.. قَدْ أَطْلَقَ نَارَهْ
فَهَوَتْ أُمِّي إلى الأَرْضِ.. إِلَى أَرْضِ الطَّهَارَهْ
قَبَّلَتْهَا في حَنِينٍ، وَاشْتِيَاقٍ، وَحَرَارَهْ
وَمَشَى الْجُنْدُ.. مَشَوْا مِنْ فَوْقِ أُمِّي
وَأَنّا أَصْرُخُ، مِنْ رُعْبٍ، وَمِنْ بُؤْسٍ مُلِمِّ
وَتَكَادُ الْخَيْلُ أَنْ تَدْفِنَ فَوْقَ الدَّرْبِ جِسْمِي
غَيْرَ أَنَّ العُمْدَةَ الْمِسْكينَ يَحْمِينِي، وَيَهْتَزُّ لِيُتْمِي
قَالَ لِي: يَابْنِي تَمَهَّلْ، فَلَنَا رَبٌ مُجِيرْ
وَمَشَى بِي.. نَتَخَطَّىَ الدَّرْبَ، في حُزْنٍ نَسِيرْ
وَإِذّا، أَمْرٌ مِنَ الْقَائِدِ مَحْمُومٌ خَطِيْر:
أَحْرِقُوات الْقَرْيَةَ فَالْجُرْمُ عَظِيمٌ وَكَبِيرْ
وَاجْتَمَعْنَا خَارِجَ الْقَرْيَةِ في سَفْحِ الْجَبَلْ
وَبَدَتْ قُدَّامَنَا قَرْيَتُنَا نَبْعُ الْأَمَلْ
تَأْكُلُ النَّارُ نَوَاحِيهَا، وَتَجْتَاحُ الْقُلَلْ
وَرَأَيْنَا بَيْتَنَا الْمَحْبُوبَ في النَّارِ اِشْتَعَلْ
مِنْ هُنَا قَدْ بَدَأَتْ مَأْسَاةُ عُمْرِي
بَدَأَتْ قِصَّةُ آلامِي وَأَحْقَادِي وَثَأْرِي
مِنْ هُنَا قَدْ شَبَّتِ النِّيرَانُ في أَعْمِاقِ صَدْرِي
وَتَعَلَّمْتُ لِمَاذَا.. حَفِرَ الْجَلَّادُ قَبْرِي
قِيلَ لِي: إِنَّ أَبِي قَدْ كَانَ فَخْرَ الثَّائِرِينْ
حَطَّمَ المُسْتَعْمِرَ الْجَبَّارَ، هَدَّ الْغَاصِبينْ
وَمَضَى لِلْجِنَّةِ الْفَيْحَاءِ، وَضَّاءَ الْجَبِينْ
تَارِكَاً ذِكْرَاهُ، كَالطِّيبِ عَلَى ثَغْرِ السِّنِينْ
وَتَعَلَّمْتُ.. تَعَلَّمْتُ الَّذِي لا أَعْلَمُ
فَإِذَا بِي شُعْلَةٌ مَشْبُوبَةٌ لا تَسْأَمُ
وَإِذَا صَدْرِي، بَرَاكِينٌ وَنَارٌ تَضْرَمُ
وَإِذَا بِي نِقْمَةٌ جَبَّارَةٌ لا تَرْحَمُ
لَنْ يَنَامَ الثَّأْرُ فِي صَدْرِي وَإِنْ طَالَ مَدَاهْ
لَا.. وَلَنْ يَهْدَأَ في رُوحِي، وَفِي قَلْبِي لَظَاهْ
صَوْتُ أُمِّي لَمْ يَزَلْ في مَسْمَعِ الدُّنْيَا صَدَاهْ
وَأَبِي .. مَا زَالَ في سَمْعِي وَفِي رُوحِي نِدَاهْ
1951
154 Total read